الوضع السياسي في الجزائر تحت حكم العسكر.. تداعياته الإقليمية والدولية

هبة بريس- عبد اللطيف بركة 

تشهد الجزائر في الآونة الأخيرة تطورات هامة على المستوى السياسي والاجتماعي، خاصة في سياق المطالب الشعبية بإصلاحات سياسية عميقة، تزايدت في السنوات الأخيرة مع انطلاق حركة الاحتجاجات الشعبية “الحراك الشعبي” عام 2019.

وقد تبع هذه الاحتجاجات تحركات سياسية ونقاشات واسعة حول حقوق الإنسان، والوضع الإقليمي، والتأثيرات المحتملة على العلاقات الدولية، خاصة في ما يتعلق بدعم الجزائر لبعض الجماعات المسلحة في مناطق الصراع مثل بلدان جنوب الصحراء.

هذا التحقيق يسلط الضوء على تطورات الوضع السياسي في الجزائر، وتحليل موقف النظام من هذه القضايا، بالإضافة إلى تأثير السياسة العسكرية والجنرالات على الوضع الإقليمي والعلاقات مع فرنسا.

1. تطورات الوضع السياسي في الجزائر:

منذ الاستقلال في 1962، كان الجيش الجزائري يلعب دورًا محوريًا في السياسة الداخلية. النظام السياسي في الجزائر يعكس هذا التداخل بين السلطة المدنية والعسكرية، حيث يبقى الجيش هو القوة الحقيقية المسيطرة على مفاصل الحكم.

لكن في 2019، اندلعت احتجاجات ضخمة تحت شعار “الحراك الشعبي”، مطالبة بإصلاحات سياسية جذرية وتنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي كان قد حكم البلاد لأكثر من 20 عامًا. وقد قوبل الحراك برد فعل عنيف من قبل السلطات، ما أثار العديد من القضايا حول حقوق الإنسان والحريات الأساسية في البلاد.

بعد تنحي بوتفليقة، أصبح الرئيس عبد المجيد تبون في منصبه، لكن السلطة الحقيقية لا تزال بيد الجنرالات. الحراك الشعبي، رغم توقفه نسبيًا، لا يزال يطالب بتغييرات جذرية. على الساحة السياسية، ظل النظام يواجه ضغوطًا داخلية وخارجية بسبب القيود المفروضة على الحريات المدنية، وغياب الإصلاحات الشاملة.

2. هاشتاغ “إسقاط النظام”:

يعد هاشتاغ “إسقاط النظام” أحد أبرز الشهادات على استمرارية رفض فئات واسعة من المجتمع الجزائري للنظام القائم. ينظم الشباب والنشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي حملات تهدف إلى الضغط من أجل تغييرات سياسية حقيقية. الهجوم على الفساد المستشري، والقلق من هيمنة الجنرالات على الحياة السياسية، بالإضافة إلى المطالب بالعدالة الاجتماعية، تجعل من هذا الهاشتاغ رمزًا للمطالبة بالتحول الديمقراطي في الجزائر.

3. حقوق الإنسان في الجزائر:

رغم التصريحات الرسمية التي تدعي دعم حقوق الإنسان والحريات الأساسية، تظل الحقوق السياسية والحرية الإعلامية محكومة بقوانين قمعية. تعرض العديد من الصحفيين والنشطاء السياسيين للاعتقال، كما يتم قمع التظاهرات بشكل متكرر. كما أن هناك تقارير دولية تشير إلى القمع الممنهج للمعارضة السياسية، بما في ذلك الأحزاب السياسية المستقلة والصحفيين والنشطاء الاجتماعيين.

4. تأثير سياسة الجنرالات على الوضع الإقليمي:

رغم إدعاءات كبرانات الجيش الجزائري، انهم قوة عسكرية ضاربة في المنطقة، فإن التقارير الرسمية داخل قصر المرادية تقول عكس ذلك ، بأن قوة الجزائر العسكرية تراجعت بشكل كبير في السنوات الخمس الماضية ، كان أبرزها وقف إمدادات التسلح من روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، بينما تراجع التسليح الفرنسي لعسكر الجزائر، بسب
تصاعد التوترات في منطقة الساحل والصحراء، حيث تتواجد الجماعات الإرهابية مثل “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و”داعش”، أصبحت الجزائر في قفص الاتهام بدعم الارهاب عوض مكافحته بوجود دعم غير مباشر أو تساهل مع بعض الجماعات المسلحة في جنوب الصحراء، لخلخلة التوازنات الإقليمية .

تؤثر سياسة الجنرالات أيضًا على استقرار البلدان المجاورة مثل مالي والنيجر وليبيا. إذ ترى بعض المصادر أن الجزائر تتبع سياسة تقوية نفوذها على حساب استقرار المنطقة، خاصة في ظل تزايد تهديدات الجماعات المسلحة. هذه السياسات قد تكون سببًا في تعقيد الأوضاع الأمنية في بلدان جنوب الصحراء، وهو ما يزيد من الضغط على المجتمعات الإقليمية والدولية.

5. موقف فرنسا من النظام الجزائري:

العلاقة بين الجزائر وفرنسا معقدة تاريخيًا، فهي مزيج من التعاون والصراع. بعد الاستقلال عن فرنسا في 1962، تظل الجزائر تحتفظ بعلاقات استراتيجية مع فرنسا، سواء في مجال الأمن أو الاقتصاد. لكن العلاقات بين البلدين ليست خالية من التوترات، خاصة في ما يتعلق بالماضي الاستعماري والتعويضات.

فرنسا تُعتبر من أكبر شركاء الجزائر الاقتصاديين، لكن المواقف السياسية تظل تتراوح بين الدعم النقدي للنظام الجزائري وانتقاداته له في بعض الأحيان، خاصة في ما يتعلق بحقوق الإنسان. فرنسا، في ظل الاضطرابات الداخلية في الجزائر، تسعى إلى الحفاظ على استقرار النظام الجزائري لضمان مصالحها الإقليمية، لكنه يبقى موقفًا متذبذبًا، حيث تزايدت الانتقادات في الآونة الأخيرة تجاه السلطة الجزائرية في ظل قمع الحريات واحتكار السلطة.

حكم تبون المنتخب تحت قيادة العسكر في رأي الجزائريين

يعتبر الجزائريون نظام تبون استمراراً لنظام بوتفليقة واستحضاراً للماضي. وقد عکس شعار « دستورنا هو رحيلکم » الذي رفعته قوى الحراک موقفهم من التعديلات الدستورية، فالرئيس تبون اتبع سيناريو يعهده ويرفضه الجزائريون، تمثل في استخدام الاستحقاقات الانتخابية والاستفتاءات لإعطاء واجهة ديمقراطية للحکم وذلک بالتوازي مع القيام بإصلاحات طفيفة لا تمس جوهر النظام ولا تجعله أکثر تمثيلاً للإرادة الشعبية. فمن ناحية، تجاهل دستور 2020 ما طالب به الجزائريون من اصلاحات سياسية.

ومن ناحية أخرى لم تؤدي التغييرات على مستوى النخبة إلا إلى التخلص من بعض الوجوه بشکل يسمح باستمرار الجزء الآخر في السلطة. إلا أن الحراک الشعبي نفسه يواجه مأزق، فهو کما أشرنا سابقاً منقسم على نفسه، ويرفض القسم الأعظم منه العمل ضمن إطار تنظيمي وبالتالي لم يستطع تقديم بدائل سياسية ملموسة. إذ تحتاج التغيرات الهيکلية التي يطالب بها الحراک إلى کيان منظم قادرعلى الدخول في حوار مع السلطة للخروج من الأزمة.

کما فشلت محاولات سعت إليها بعض قوى الحراک لتأطيره، ورفض جزء کبير منه التنسيق مع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني القائمة، لاستقطابها من النظام أو لتعاونها معه في السابق. وعليه يواجه الحراک الشعبي الجزائري تحدٍ کبير، وهو ضرورة خلق کيان يمثله، ويحمل مطالبه، قادرعلى اقتراح خارطة طريق للتغيير.

الوضع السياسي في الجزائر يظل معقدًا وحساسًا، بين محاولات الإصلاح السياسي الداخلية، والتوترات الإقليمية المتزايدة. رغم الاستقرار الظاهر الذي يحاول النظام الحفاظ عليه، تظل الضغوط الشعبية والدولية قائمة، حيث تشهد الجزائر مرحلة من الصراع بين السلطة الشعبية المتمثلة في الحراك والمجتمع المدني، وبين جهاز الدولة العسكري الذي يحكم البلاد بشكل غير مباشر.

التحديات التي تواجه الجزائر تتراوح بين قضايا حقوق الإنسان، وتأثير السياسات العسكرية على الأمن الإقليمي، والعلاقات الدولية.

ويبقى السؤال حول ما إذا كان النظام الجزائري سيتجه نحو إصلاح حقيقي في المستقبل، أم سيظل تحت سيطرة الجنرالات مع استمرار التوترات الداخلية والخارجية.

قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى